تقرير اقتصادي: طفرة أسعار الذهب تكشف تصدع النظام المالي العالمي
يشهد الاقتصاد العالمي خلال الأشهر الأخيرة تحولات عميقة في بنية النظام المالي، وسط مؤشرات متسارعة على تراجع الثقة في العملات الورقية، وعودة الذهب بقوة كملاذ استراتيجي آمن.
وارتفعت أسعار الذهب عالميًا بشكل متواصل خلال الأسبوع الأخير، لتسجل مستويات غير مسبوقة، وسط توقعات بمواصلة الصعود خلال العام المقبل، مدفوعة باضطرابات اقتصادية وجيوسياسية متراكمة منذ عقود.
🟩 جذور الأزمة.. من صندوق استثماري إلى حكومات مثقلة بالديون
تعود جذور الأزمة الحالية إلى سلسلة من الأحداث المالية الكبرى بدأت في عام 1998 مع انهيار صندوق الاستثمار الأمريكي العملاق Long Term Capital Management (LTCM)، الذي تسبب في ارتباك الأسواق ودفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي للتدخل السريع لإنقاذ النظام المالي العالمي حينها.
ورغم نجاح خطة الإنقاذ، فإنها كانت بمثابة بداية لتضخم الفقاعة المالية، بعدما انتقلت المخاطر تدريجيًا من المستثمرين إلى البنوك الكبرى.
وفي أزمة 2008، انفجرت الفقاعة العقارية في الولايات المتحدة، لتتوسع الأزمة إلى النظام المصرفي بأكمله. ووجدت الحكومة الأمريكية نفسها مضطرة للتدخل ببرامج إنقاذ ضخمة، شملت طباعة مئات المليارات من الدولارات لإنقاذ البنوك والشركات المتعثرة، وهو ما أدى إلى تراكم الدين العام الأمريكي بشكل غير مسبوق.
ومع تفشي جائحة كورونا عام 2020، اتسعت رقعة الاستدانة عالميًا بعد أن لجأت الحكومات إلى طباعة تريليونات الدولارات لضخ السيولة في الأسواق، ما أدى إلى تضخم حاد وارتفاع الدين العام إلى مستويات قياسية.
🟥 من ينقذ الحكومات هذه المرة؟
بحسب تقديرات المؤسسات المالية الدولية، بلغ الدين العام الأمريكي نحو 35 تريليون دولار، بزيادة تقارب تريليون دولار كل 100 يوم، فيما تجاوزت ديون اليابان نسبة 250% من ناتجها المحلي، وسجلت المنطقة الأوروبية عجزًا هو الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية.
ويحذر محللون من أن العالم يقف اليوم أمام معضلة جديدة؛ فبينما تمكنت الحكومات سابقًا من إنقاذ البنوك والمؤسسات المالية، فإنها أصبحت اليوم هي نفسها بحاجة إلى من ينقذها، في ظل تباطؤ النمو وارتفاع أسعار الفائدة وتراجع الثقة في السندات الحكومية.
🟦 الذهب يعود إلى الواجهة كملاذ آمن
في ظل هذه التطورات، تتجه البنوك المركزية حول العالم إلى زيادة احتياطياتها من الذهب على نحو غير مسبوق.
ووفقًا لتقارير اقتصادية، يعد البنك المركزي الصيني أكبر مشترٍ للذهب حاليًا، إذ رفع احتياطاته بأكثر من 333 طنًا في الربع الأخير من عام 2024، بزيادة 54% مقارنة بالعام السابق، في خطوة تعكس رغبة الصين في تقليص اعتمادها على الدولار الأمريكي.
ويرى خبراء أن الارتفاع الكبير في أسعار الذهب ليس مجرد تقلب عابر، بل إشارة واضحة على تحوّل في موازين الثقة المالية، في وقت تواجه فيه العملات الورقية ضغوطًا متزايدة نتيجة سياسات التيسير النقدي وارتفاع معدلات الديون العالمية.
🟨 توقعات مستقبلية
تتوقع مؤسسات مثل Goldman Sachs وJP Morgan أن يواصل الذهب صعوده ليصل إلى مستويات تتراوح بين 3000 و3200 دولار للأونصة بحلول عام 2026، مع احتمال تسجيل ارتفاعات أكبر في حال استمرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين أو تجدد التوترات الجيوسياسية في أوروبا والشرق الأوسط.
ويرى محللون أن المرحلة المقبلة قد تشهد إعادة تشكيل للنظام المالي العالمي، بحيث يتراجع الاعتماد على الدولار تدريجيًا لصالح سلة من الأصول الملموسة، وفي مقدمتها الذهب، كمرجعية أكثر استقرارًا في مواجهة تقلبات الاقتصاد العالمي.
🟢 الخلاصة
الارتفاع القياسي في أسعار الذهب ليس ظاهرة منفصلة، بل نتيجة منطقية لتراكم الأزمات الاقتصادية العالمية على مدار أكثر من عقدين.
وبينما يحاول صانعو السياسات تأجيل الانفجار عبر حلول مؤقتة، فإن الأسواق ترسل إشارات واضحة بأن النظام المالي العالمي يمر بمرحلة تصحيح تاريخية قد تعيد رسم قواعد اللعبة الاقتصادية لعقود قادمة.
Share this content: